م . عباس محمود يكتب : من مقهي وبار إلي مركز إشعاع وطني
كان مقهى ريش يقع فى شارع طلعت حرب وكانت العمارة التى يقع أسفلها المقهى جزء من قصر الأمير محمدعلى توفيق والذى اضطر إلى بيعه ليستكمل بناء قصره الجديد الواقع على النيل فى منطقة الروضة بعد أن أخذ قرض من البنك العقارى المصرى ولم يكفى هذا القرض لإستكمال مبانى هذا القصر الفخيم الجديد، وكان المشترى هو نوبار باشا والذى أزال مبانى القصر وقسم قطعة الأرض إلى أربعة قطع، أثنان يطلان على ميدان سليمان باشا “طلعت حرب حالياً” وأثنتان خلفهما آحداهما التى تقع على شارع سليمان باشا “طلعت حرب حالياً” والتى يقع أسفلها مقهى ريش.
بدأت الحرب العالمية الأولى فى شهر يوليو 1914 ولعبت جغرافية المكان دوراً كبيراً حيث كان يقع فى المبنىالمواجه للمقهى فى شارع سليمان باشا مبنى قسم شرطة قصر النيل ويعلوه مكتب حكمدار شرطة القاهرة“هارفى باشا”، ولأن المقهى كان يطل مباشرة على الميدان حيث أن قطعة الأرض التى كانت أمامه لم يتم بيعهاأو بنائها فكان فى مواجهة المقهى من ناحية الميدان فندق سافوى، وعند بدء الحرب استولت قيادة الحلفاءعلى هذا الفندق ليصبح مقر قيادة لهم فى القاهرة. واستمر هذا الوضع طوال سنوات الحرب التى انتهت فىشهر نوفمبر 1918 وبالطبع ونتيجة لهذا الوضع آتجه المراسلون الصحفيون الموجودين فى القاهرة إلىمقهى ريش ليتابعوا الأخبار وتحركات القادة العسكريين للحلفاء وكذلك ما يحدث داخلياً عن طريق مكتب قائدالشرطة. وكان محل جروبى الذى يقع فى بداية شارع قصر النيل عند الميدان ملتقى للساسة المصريينوالطبقة الارستقراطية ولم يكن يصلح لإستضافة أو استيعاب الصحفيين والمراسليين، ومن هنا أصبح المقهىملتقى الصحفيين والمراسليين مما جذب إليه رجال الصحافة المصرية وأصبح هذا المكان مقراً دائماً لهم خاصةأن صاحبه ميشيل بوليتس “اليونانى” كان يتمتع بشعور وطنى جارف وتعاطف مع المصريين فى قضيتهمللتحرر من الاستعمار الإنجليزى ولهذا مقام أخر للمزيد من التفاصيل.
وبعد إنتهاء الحرب أصبح مقهى ريش نتيجة لموقعه الجغرافى – كما سبق أن وضحناه – ملتقى للصحفيينوالسياسيين من مختلف الإتجاهات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وكذلك جذب إليه العديد من الكتابوالشعراء والأدباء مما جعله منارة ثقافية ووطنية. وشاهد المقهى العديد من المواقف الوطنية واستخدم القبوالواقع أسفل المقهى فى طبع المنشورات المناهضة للإحتلال البريطانى وذلك بالتنسيق مع صاحب المقهىوالذى بفضله لم تتمكن قوات الإحتلال العثور على المخبأ السرى الذى استخدم لطباعة المنشورات.
وبتوالى الأيام والسنين زادت شهرة المكان أنه ملتقى المثقفين والسياسين خاصة بعد هدم مقهى متاتيا والذى كان يقع فى العتبة الخضراء وكان من أشهر رواده جمال الدين الأفغانى – عبد الله النديم. وظلت ريش تنتقلإلى عدة ملاك إلى أن انتقلت إلى أول مالك مصرى لها عام 1960 وهو “عبد الملك ميخائيل” ومنه إلى أبنائه. ومن أشهر الرواد فى تلك الفترة الأديب الكبير نجيب محفوظ والصحفى الكبير على أمين، وقد شهد المقهىمولد العديد من الشعراء مثال عبد الرحمن الأبنودى – أمل دنقل وكثيرون مما لا يتسع المجال لذكرهم، ومنالفنانين التشكيلين عدلى رزق الله – جورج بهجورى وآخرون لا يتسع المجال لذكرهم.
وكان يقام بالمقهى ندوات أسبوعية لمناقشة أحداث ما أو مطبوعات حديثة وكان يطلق على على هذه اللقاءاتندوة ريش الثقافية.
وهكذا تحولت ريش من مقهى وبار إلى منار ثقافى ووطنى يشهد له الجميع فى تلك الفترة التى أمتدت حتى بداية الألفية الثانية بتأثيره الواضح على الحركة الثقافية المصرية.
1089Abbass Mahmoud Abass