م / عباس محمود يكتب :الرحلة المجنونة 3 … من دير العذراء الي عزبة البكباشي

نستكمل رحلتنا معاً ولا أتوقف عند الإجراءات الروتينية عند نقط المرور والتى تتكرر عند كل محطة حتى لا يصاب القراء بالملل وفى محافظة أسيوط يوجد دير السيدة مريم العذراء وهو يعد من أهم معالم المدينة والذى يقع فى منطقة تسمى “درنكة” ويقام سنوياً به احتفال ضخم يؤمه مئات الآلاف من المواطنين مسلميين ومسيحيين وكان هذا الاحتفال يقام فى السابع من شهر أغسطس وحتى الثانى والعشرين من نفس الشهر وكنا قد وصلنا إلى منطقة دير العذراء بعد هذا الموعد وقام سكان المنطقة بشرح الإحتفال وما يتم فيه ومظاهر الحب التى يعبر عنها الشعب بكل طوائفه للسيدة العذراء مريم وكيف أنها بحضورها الطاغى تجمع جميع المصريين فى نسيج واحد،
وأقمنا يومان وليلة واحدة فى هذا المكان ثم واصلنا الرحلة إلى مدينة أسيوط وقمنا بزيارة مكان يطلق عليه “بيت التل” والتل هو نسيج يدوى من خيوط الحرير المسبوغ باللون الأسود غالباً والنسيج كأنه لوحة من الخيوط المتشابكة والتى ترسم أشكال مختلفة للطبيعة من زهور وأشجار وطيور يتم نسجها بطريقة متوارثة عبر أجيال طويلة ومن هذا النسيج يتم عمل الكثير من الملابس المختلفة للسيدات ولكافة الأعمار وهذا المكان الذى لا يعرفه الكثيرون يعد كنز تراثى من كنوز مصر حيث أن هذه الحرفة “نسج خيوط التل” تتوارثها الأجيال فى هذا المكان والذى لا يوجد له مثيل فى العالم كما علمنا. وتابعنا الرحلة إلى محافظة المنيا وبها الكثير من المدن الشهيرة مثل أبو قرقاص والتى تشتهر بالعسل الأسود، ومغاغة ودير مواس ومدينة المنيا نفسها حيث يوجد فى غرب المدينة موقع أثرى يضم الكثير من آثار المصريين القدماء يطلق عليه “تل العمارنة” والذى يقع شمال مدينة دير مواس وكانت عاصمة لمصر فى عصر الدولة الحديثة لقدماء المصريين والذى بناها آخناتون وهو أول الموحدين، ومقابر بنى حسن تقع جنوب مدينة المنيا وتمتاز بأن مقابرها الأثرية منحوتة فى الجبل وليست بناء ومن أهم المقابر على ما أذكر مقيرة “أمنمحات” ومقبرة “خنوم حتب” وتتميز هذه المقابر بأنها تسجل على جدرانها مظاهر الحياة اليومية للمصريين القدماء فى هذه الفترة التاريخية. وكانت المحطة التالية محافظة بنى سويف ومن أهم معالمها “دير السيدة العذراء” فى منطقة تسمى “بياض العرب” شرق النيل وهى واحدة من محطات العائلة المقدسة فى مصر ويعود بنائه إلى القرن الخامس عشر الميلادى حيث يحج إليه الكثير الذين يتابعون رحلة العائلة المقدسة.
وكانت نهاية الرحلة الوصول إلى محافظة الجيزة حيث حصلنا على أخر توثيق من نقط المرور عند منطقة جنوب المحافظة ويطلق عليها “عزبة البكباشى” ولا نعلم أصل هذه التسمية وكان التعب قد مال منا ما يكفى وأسرعنا كل إلى منزله بعد هذه الرحلة المجنونة التى استغرقت ما يزيد عن خمسة وسبعون يوماً والتى تعلمنا منها الكثير عن مصر والتى كانت أحد الأسباب الرئيسية التى ربطتنا وثبتت جذورنا فى أرض مصر حيث لم يفكر أحد منا فى الهجرة أو حتى البحث عن عمل خارج حدود مصر وهذا على ما اعتقد ما استطعنا أن نورثه لأبناءنا.
وإلى لقاء مع ذكريات أخرى.